المنشوراتبحوث ودراسات

الجيوبولتيك الليبي: جدلية الموضع والموقع

د. نزيه علي محمد (مصر)

باحث وكاتب مصري، دكتوراة في فلسفة العلوم الجيولوجية، مصر، ماجستير في الاجتماع السياسي جامعة (AITU) الأمريكية.

ملخص الدراسة:

تستعرض هذه الدراسة العلاقة الجدلية بين الموقع الجغرافي والموضع الاستراتيجي لليبيا، وتأثيرهما المتراكم على مسارها السياسي عبر العصور. مستندة إلى الإطار النظري الذي قدّمه جمال حمدان في الجغرافيا السياسية، تميّز الدراسة بين “الموقع” كمحدد مكاني على الخريطة و”الموضع” كمنظومة من الخصائص الطبيعية والبشرية، ثم تتبنى منهجًا تاريخيًا تحليليًا لرصد امتداد الأثر السياسي من الاستعمار الفينيقي إلى الثورة اليبية عام 2011 وصولا إلى عام 2025. تكشف الدراسة أن الموقع الجيوستراتيجي لليبيا، بوصفها نقطة التقاء محورية بين أقاليم البحر المتوسط، والشرق الأوسط، وأفريقيا، كان عاملًا رئيسًا في تعرضها لسلسلة من الاحتلالات بدءًا من الفينيقيين والرومان، وصولًا إلى العثمانيين والإيطاليين. في المقابل، شكل الموضع الداخلي خصوصًا الصحراوي منه قاعدة مقاومة تاريخية، أبرزها الحركة السنوسية.

بعد الاستقلال عام 1951، دخلت ليبيا مرحلة “الاستعمار الجديد”، حيث تحولت من السيطرة المباشرة إلى الخضوع لهيمنة اقتصادية عالمية، تمثلت في تحكم الشركات النفطية متعددة الجنسيات في مواردها، ما خلق شكلاً من أشكال الاستعمار غير المرئي.

وتوضح الدراسة أن مرحلة ما بعد ثورة 2011 مثّلت عودة قوية للتدخلات الخارجية، لكن بأدوات أكثر تنوعًا وتعقيدًا. فقد دخلت أطراف دولية وإقليمية من بينها تركيا وروسيا وفرنسا ومصر والإمارات في صراع نفوذ متعدد المستويات، مستفيدة من التناقضات الليبية وضعف بنية الدولة، ومتوسلة بالموقع والموضع كأدوات استراتيجية.

وتنتهي الدراسة إلى أن ليبيا ظلت ساحة مفتوحة لصراع القوى الكبرى، نتيجة غياب مشروع وطني جامع يعيد توظيف موقعها وموضعها في خدمة الداخل بدلاً من الخارج. ومن هذا المنطلق، تقترح الدراسة حزمة من التوصيات: تعزيز البنية التحتية والربط الداخلي، توطين الاستثمارات والكفاءات، إعادة بناء الهوية الوطنية، وتطوير صناعة نفطية محلية مستقلة. وفي الخاتمة، تؤكد الدراسة أن بناء سيادة ليبية حقيقية يقتضي معالجة جذرية لاختلالات الجغرافيا والديموغرافيا، باعتبارها المدخل الأساس لتحصين الدولة من التبعية الخارجية.

الكلمات المفتاحية: ليبيا، الموقع الاستراتيجي، الاستعمار، الثورة الليبية، التدخلات الأجنبية.

مقدمة:

ذكر الدكتور جمال حمدان في مقدمة كتابه “الجماهيرية العربية الليبية – دراسة في الجغرافيا السياسية” أن “الجغرافيا السياسية هي في التحليل الأخير “تحليل القوة”، فالهدف دائماً هو الوصول إلى تقييم للقوة السياسية أو الوزن السياسي للدولة.

الجغرافيا السياسية تتناول كل عنصر أو عامل جغرافي تتعرض له الجغرافيا الإقليمية عادة، لنرى ما عسى قد يكون له من تأثير على الوزن السياسي للدولة، أو مدى تحديده لمصلحة القوة فيها وعلاقته بها. أما الجغرافيا الإقليمية، فهي تركيبية، تقويم للبلدان والسياسية فهي تقييم للبلدان، بمعنى وزنها لتقييم قوتها وقياسها لتحديد قيمتها السياسية”.

وعليه فإذا كانت الجغرافيا السياسية تعنى بالموقع الجغرافي للدولة ضمن منظومة الخريطة الدولية، فإن الجغرافية الإقليمية تعنى بقيمة الموضع الداخلي بما يحتويه من مكونات طبيعية وبشرية، وإذا كان تاريخ الدول يُعَدّ نتاجًا لتفاعل الموقع بما ينطوي عليه من مزايا، والموضع بما يتضمنه من إمكانيات، فإن دراسة التاريخ السياسي لأي منطقة تستلزم تحليل هذا التفاعل ونتائجه.

ومن ثم، فإن دراسة الجغرافيا السياسية للحالة محل البحث تتطلب الوقوف على طبيعة العلاقة بين الموقع والموضع، واستنباط منظومة علائقية تبيّن تأثير كل منهما في تشكيل الخصائص الجيوسياسية للمنطقة.

إشكالية الدراسة:

تسعى الدراسة إلى الإجابة على السؤال الرئيس التالي: كيف أسهم الموقع الجغرافي والموضع الاستراتيجي لليبيا في تشكيل مسارها السياسي والتاريخي، وما العوامل التي حوّلت هذه المزايا إلى عناصر هشاشة وتبعية بدلاً من أن تكون مصادر قوة وسيادة وطنية؟

الأسئلة الفرعية:

 1- ما هو أثر الموقع على الحالة السياسية لليبيا عبر التاريخ؟

 2- ما هو أثر الموضع على الحالة السياسية لليبيا عبر التاريخ؟

 3- ماهي العلاقة بين الموقع والموضع في الأثر السياسي عبر التاريخ.

منهجية البحث:

يعتمد الباحث على المنهج التاريخي لرصد الأثر عبر السياق الزمني، وذلك في إطار توظيف منهج تحليل المضمون لكتاب الدكتور جمال حمدان “الجماهيرية العربية الليبية – دراسة في الجغرافيا السياسية”، الصادر في القاهرة عام 1996.

حدود البحث:

– الحدود المكانية: تتركز هذه الدراسة على الدولة الليبية بوصفها وحدة جغرافية – سياسية، وذلك من خلال تحليل خصائصها الجيوسياسية ضمن إطار الجغرافيا السياسية.

– الحدود الزمنية: تمتد الفترة الزمنية للدراسة من بداية الاستعمار الفينيقي للمنطقة (حوالي 1000 ق.م) وصولاً إلى عام 2025، بهدف تتبع التحولات الجيوسياسية عبر مختلف المراحل التاريخية.

التوثيق: مجلة العلاقات الدولية، أكاديمية العلاقات الدولية، تركيا، العدد الثامن، يوليو/ تموز 2025، ص ص 143 – 172.

Admin

مجلة علمية دولية محكمة، ربع سنوية، يتم النشر فيها باللغات (العربية، التركية، الإنجليزية، الفرنسية). تقوم على نشر الدراسات العلمية والأوراق البحثية وأوراق السياسات، وكذلك نشر عروض وملخصات رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه حول العلاقات الدولية، وفروعها الأساسية، وما يرتبط بها من علوم ومعارف بينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى