الحرب الروسية الأوكرانية: السياقات والتحولات الاستراتيجية
أ. د. عصام فاعور ملكاوي
أكاديمي أردني، متحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، محاضر غير متفرغ في كلية العلاقات الدولية، تركيا، محاضر غير متفرغ في الجامعة الأردنية 2003 ـ 2010، باحث وموجه في مركز الدراسات الاستراتيجية/ كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية 2004 ـ 2010.
ملخص
تعتبر التحولات الأمنية التي برزت خلال الحرب الروسية الأوكرانية، هي نتاج التغيرات الاستراتيجية والجيوسياسية، التي بدأت تأخذ ملامحها طابع التشكل على الجغرافيا الدولية دون استثناء. وقد تكون المنافسة الروسية – الأمريكية هي أحد أهم أسباب هذه التغييرات، إلا أن اللافت للنظر أن باقي الحلفاء لكلا الدولتين، ليس لهم سوى التكيُف مع هذه المتغيرات، ضماناً لتحقيق مصالحهم على المديين القريب والبعيد. ولم تكن هذه التحولات الأمنية تعني فقط المفهوم الضيق للأمن لكل دولة، بقدر ما هو تحقيق لمبدأ الأمن الشامل، مع عدم العبث في هيكلية النظام الدولي القائم.
إن وقوع السياسة الخارجية الروسية تحت تأثير الوضع الجيوبوليتيكي والجيواسراتيجي، كان دافعاً مهما في التوجه الأوراسي لجمهورية روسيا الاتحادية، على اعتبار أن الفضاء الأوراسي والجغرافية الضاغطة فيه تشكل التهديدات الأمنية الحقيقية للأمن القومي الروسي. وعليه فإن تمدد حلف الناتو بالجوار الروسي المباشر يشكل تجاوزاً للخطوط الروسية الحمراء لأمنها القومي، لكن الملفت للنظر بجانب هذا كله، هو التحول العسكري والأمني الذي سمحت به الولايات المتحدة لكل من ألمانيا واليابان، لإعادة بناء قوتهما العسكرية خلافاً لما اتفق عليه بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك جاء التوافق الروسي الصيني إضافة إلى مجموعة من دول العالم النامي، عاملاً مساعداً في البحث عن سبل لإعادة ترتيب البنية الهيكلية للنظام العالمي، والسعي لتعديله إن لم يكن بالإمكان تغييره.
وقد جاءت هذه التحولات لتأخذ شكلاً جديداً من أشكال مخرجات الحرب الدائرة بين روسيا من جهة وأكرانيا وحلف الناتو من جهة أخرى، لتعمل على إعادة دراسة التغيرات المبدئية لمفهوم الاستراتيجية الأمنية والعسكرية للدول الكبرى، إضافة إلى ما يتبعها من تغيير جذري في مفهوم العقائد العسكرية التي كانت سائدة منذ الحرب العالمية الثانية. حيث بدأت هذه القوى بالعمل على تغيير مبادئ هذه العقائد على الأرض، مع تغيير أساليب استخدام الأسلحة التقليدية، مما دفع إلى التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو ما دون النووية، إضافة لاستخدام الأسلحة الذكية، بالاستخدام المفرط للذكاء الصناعي، ليكون أحد الفواعل الجديدة في هذه الحرب. ومن ثم اعتماد أسلوب دمج العمل العسكري ما بين عمل المليشيات المسلحة كمجموعات فاغنر وقاديروف، والقوات المسلحة النظامية، والذي يعد مظهراً جديداً من مظاهر هذه الحرب، لم يكن مألوفاً سابقاً.
الكلمات المفتاحية: الجيوبوليتيك، الجيواستراتيجي، العقيدة العسكرية، التهديد الأمني، الذكاء الاصطناعي
المقدمة
الحرب الروسية _ الأوكرانية، والتي بدأت صغيرة (عملية خاصة) كما تصفها روسيا، لتمتد إلى أفق أبعد وأطول، حرب تخطت التقديرات والتوقعات فأكلت اقتصادات وزادت من عجوزات دول كثيرة، فمن يدفع الثمن؟ ومن ستجبره الحرب على الاستسلام في وجه خسائر لا تحتمل؟ بعد مضي عام على الحرب الروسية _ الأوكرانية، ومازالت خطوط التماس بين تغير ملموس لطرف على آخر، وبين كر وفر وكل ذلك داخل حدود أوكرانيا، والتوقعات ما زالت غامضة، والحصيلة تتخطى كل ما كان مرسوم له.
إن من يدفع الثمن هو الجميع بدون استثناء، لكنها أثمان متفاوته في قيمتها، لكن الثمن الأكبر والخسارة التي ليس لها مثيل هي من ستدفعها أوكرانيا، فروسيا تقاتل الولايات المتحدة وحلف الناتو حتى آخر جندي أوكراني وآخر معقل استراتيجي فيها. لكن الذي يهمنا هنا هو لماذا بدأت الحرب؟
وحتى نصل للجواب لابد من فهم السياق الذي نحن بصدده والمتعلق بالتحولات الأمنية والإستراتيجية والعسكرية التي شكلت الدافع لروسيا في شن حربها على أوكرانيا أو التي سُميت بالعملية الخاصة في أوكرانيا.
ربما يمكن القول بأن فرضية ضم جزيرة القرم كان الطعم الذي ابتلعته روسيا عام 2014، وكان ذلك بداية توريط روسيا في تدخلات جيو استراتيجية تنهكها ولا تستطيع التخلص منها بسهولة، أو لا يمكن إنجازها، وإن تحقق بعضها في الجغرافيا القريبة من الحدود الروسية جورجيا كمثال، إلا أن هذ الإنجاز لم يكتمل ولم يتحقق في سوريا، وما زال غامضا وعليه تساؤلات كبيرة في الحرب على أكرانيا.
وربما كانت الإشارة للنظام الروسي على أنه نظام لا يقوم على عمل مؤسسي، ولا يعترف بدولة المؤسسات، ولا يتقن الروس ما يتقنه الأمريكيون في “ فن إدارة التناقضات” داخل أجهزة الدولة، ويكمن دور الرئيس أو “القيصر” في إدارة هذه الصراعات بنفسه، وفي حالة ضعفه أو غيابه لأي سببٍ كان، تدخل البلاد- كعادتها- في حالة من الفوضى، وكما صرح بوتين نفسه عندما طرح البعض توليه منصب رئيس مجلس الدولة، مع منحه صلاحيات عليا قبل ترك منصب الرئاسة عام 2024، فكان رده على هذا المقترح بالقول: ” تعدد السلطات في بلد مثل روسيا لا يعني سوى الفوضى”، أو وفقًا للمثل الروسي: “الغابة لا تتحمل سوى دب واحد”، وأمام هذه المعضلة، طرحت رائدة الفضاء السوڤيتية السابقة، وعضو مجلس الدوما ڤالنتينا تريشكوڤا، تعديلًا دستوريًّا بخصوص مدد الرئاسة، سمح في النهاية بتصفير العداد لصالح پوتين، ليبقى فيما يبدو رئيسًا مدى الحياة، دون الإجابة عن سؤال “وماذا بعد پوتين؟”([1]).
مما تقدم يمكن ملاحظة أن بوتين أراد أن يستبق الوقت من خلال استشراف التغيرات الجيو استراتيجية المتسارعة في المجال الدولي والجوار الإقليمي، فأبدى معارضته لانضمام أوكرانيا والسويد وفنلندا لحلف الناتو، وربما يمكن القول إن هذه كانت أهم أسباب شن الحرب على أوكرانيا، لأن وجود الناتو على حدود روسيا يعني تهديدا حقيقياً للأمن القومي الروسي. من هذا المنطلق كانت التحولات الأمنية والاستراتيجية والعسكرية، هاجس مقلق للنظام الروسي وأركان أجهزته الأمنية والعسكرية.
مشكلة الدراسة:
بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت الثنائية القطبية، وانقسم العالم إلى كتلتين شرقية وغربية، وأصبحت برلين الشرقية تحت حكم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وخضعت برلين الغربية لحكم الولايات المتحدة، وبدأت سياسات الحرب الباردة في العالم، وصاغت الولايات المتحدة وحلفاؤها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأقام إتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية… حلف “وارسو” الذي تفكّك عندما انهار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، لكنَّ الناتو لا يزال حلفاً عسكرياً قائماً إلى يومنا هذا.
وقد توسّع على حساب الصين وروسيا. مما أصبح يشكل تهديداً لروسيا الإتحادية، عندما بدأت دول الطوق الروسي من الشمال والغرب تدخل في حلف الناتو، لتجد روسيا نفسها محاطة من قبل هذا الحلف، والذي يشكل تهديداً فعلياَ ومباشراً على الأمن القومي الروسي. وعليه تكمن مشكلة الدراسة في القدرة على تشخيص الحالة التي تمر بها روسيا الإتحادية كدولة، والشعور المتنامي لدى الرئيس بوتين بأنه مهدد من قيل الولايات المتحدة ودول حلف الناتو التابعة لها. إضافة إلى شعوره بأنه رجل المرحلة، والقادر على ترك بصماته في سيرورة النظام العالمي، من خلال منع هذا التوسع للنيتو وإبعاد الخطر المترتب على تواجده في الأطراف الشمالية والغربية للأراضي الروسية. مع إعادة تعريف دور روسيا الاتحادية في التعاملات الدولية،
بناءً على ما سبق يمكن صياغة فرضية البحث كما يلي: “كلما توسع حلف الناتو باتجاه الحدود الروسية، كلما زاد التهديد للأمن القومي الروسي، مما استتبع أعمالاً روسية استباقية لمنع هذا التهديد، وإحياءً للدور الروسي ليكون فاعلاً في النظام العالمي المستقبلي، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال إعادة النظر في المنظومة الأمنية ككل والاستراتيجية بمفهومها الشامل، إضافة لإعادة النظر في العقائد العسكري التي كانت سائدة حتى نشوب الحرب الروسية – الأوكرانية “.
الفرضيات الفرعية:
1ـ تنظر روسيا الإتحادية إلى التحولات الاستراتيجية من خلال نظرتها للتهديدات الجيوبوليتيكية لأمنها القومي، من خلال توسع حلف الناتو بالقرب من الحدود الروسية.
2ـ شكل طلب أوكرانيا الانضمام لحلف الناتو، رسالة تهديد قوية لروسيا دفعته إلى شن الحرب عليها.
3ـ لم يكن تقدير الموقف الروسي لتبعات هذه الحرب صحيحاً، نتيجة الفشل في معرفة الأعمال الممكنة لأوكرانيا وحلف الناتو، وما طبيعة ردهم على الهجوم الروسي.
4- نتيجة للقراءة الخاطئة لردة الفعل هذه، استوجب ذلك إعادة النظر في المنظومة الاستراتيجية ككل، بما فيها المنظومة الأمنية والعسكرية والعقيدة القتالية.
أهمية الدراسة
تكمن أهمية الدراسة من خلال توضيح سلوك دوار النظام الروسي وتطبيقاته على أرض الواقع، وتطلعاته للمشاركة في نظام عالمي مستقبلي جديد، وإستشراف مستقبل الدور الروسي على الساحتين الإقليمية والدولية، وعمل مقاربات تحليلية تعتمد على نظرية الدور، وإعطاء تفسير علمي قابل للتطبيق يمكن أن تستفيد منه دوائر ومؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والأمنية.
منهجية الدراسة:
تعتمد الدراسة على استخدام المنهج التاريخي والمنهج الوصفي التحليلي، والمنهج المقارن، مع التركيز على فهم المحددات في البيئتين الإقليمية والدولية.
محاور البحث:
حتى يمكن الإجابة على فرضيات البحث تم وضع المحاور التالية: التحولات الأمنية والاستراتيجية، ومآلات التحولات الاستراتيجية وتصاعد الدور الروسي، والتحولات الاستراتيجية في سياق التسلح والعقيدة العسكرية القتالية، التطورات العسكرية الميدانية (الأسلحة التقليدية وغير التقليدية والمقاتلون الأجانب).
أولاً: التحولات الأمنية والتغيرات الجيوسياسية في الإستراتيجية الروسية
تنبع الحقائق الجيوبوليتيكية الروسية بصفة أساسية من ثلاثة محاور، أهمها مقومات الجغرافيا السياسية (الموقع والمناخ والموارد وغيرها) التي تحدد أهم عوامل القوة والضعف للدولة الروسية. وعند الحديث عن الجغرافيا السياسية للدولة الروسية لابد من الحديث عن الموقع الجيوبوليتيكي لها مع الإشارة إلى المنافذ البحرية لهذا الموقع.
تعتبر روسيا دولة حبيسة، ليس لها منافذ بحرية مفتوحة، رغم أنها محاطة ب 13 بحراً، من بينها 12 بحراً من ثلاث محيطات (المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الهادي والمحيط الأطلسي). ومعظم هذه البحار تتجمد مياهها في معظم وقت السنة لقربها من القطب الشمالي، كما أن مدينة فالديفوستك، التي تعد الميناء الأهم لروسيا الإتحادية في الشرق تقع في بحر اليابان (بحر الشرق). ومن جهة الغرب، تطل مدينتا سانت بطرسبرج وكاليننغراد على بحر البلطيق الذي يفصله عن بحر الشمال مضيق أوريسند، ويمثل هذا المسار عائقاً لروسيا نظراً لأن معظم الدول التي تطل عليه أعضاء في حلف شمال الأطلسي.
ويبقى المنفذ إلى البحر الأسود الذي يفصله عن البحر المتوسط مضيق البوسفور. لذلك نجد أن أوروبا تشارك روسيا معظم المنافذ البحرية المتاحة أمامها، خاصة المنافذ الغربية، مما يعطي القوى الغربية الأفضلية في تطويق الدولة الروسية. ومن ثم، فمن البديهي إدراك مدى تمسك روسيا بأي منطقة تسمح لها بالوصول إلى المياه الدافئة سواء في جوارها المباشر مثل ميناء سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم أو ميناء طرطوس في سوريا([2]).
وعليه فإن روسيا الإتحادية تنظر إلى هذه التحولات من خلال نظرتها للتهديدات الجيوبوليتيكيةلأمنها القومي، لذلك حددت العقيدة العسكرية الروسية التي صادق عليها الرئيس فلاديمير بوتين في 26ديسمبر 2014، أربعة عشر تهديدًا أمنيًّا.
ومع تعدد هذه التهديدات تركز هذه الدراسة على التهديد النابع من توسيع عضوية حلف شمال الأطلسي واقتراب بنيته العسكرية من حدود روسيا الاتحادية، ونشر القوات الأجنبية في البلدان المجاورة لها. ويُمثل هذا التوسع لعضوية حلف شمال الأطلسي التهديد الأكبر لروسيا كونه يتجه شرقًا قرب الحدود الروسية من ناحية، وأن عضوية الدول في حلف الناتو تعطي له الحق -بموجب هذه العضوية-بتأسيس قواعد عسكرية للحلف على أراضي الدول من ناحية أخرى، مما يعني اقتراب بنية الحلف العسكرية من الحدود الروسية.
ويركز الفكر الجيوبوليتيكي الروسي على واقع روسيا، كونها ليست غربًا، لا تنتمي إلى أوروبا، وليست شرقًا، لا تنتمي إلى آسيا، حسب وصف (ألكسندر دوجين) المُنَظِر الجيوبوليتيكي لروسيا المعاصرة والذي يقف وراء توجهاتها الاستراتيجية الكبرى، وصاحب النظرية الأوراسية. ذات المفهوم الأوراسي المتعلق بواقع روسيا باعتبارها واقعاً جغرافياً وإثنياً وثقافياً متميزاً يربط بين الشرق والغرب، فوفقًا لدوغين، فإنه مُقَّدر لروسيا أن تكون إمبراطورية أوراسية انطلاقًا من جغرافيتها وثقافته([3]).
الجيوبوليتيك الروسي بعد الحرب الباردة
بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وإعلان جمهورية روسيا الإتحادية، فرض على هذه الدولة الحديثة، انتهاج سياسة جديدة مبنية على أهداف جديدة، في محاولة استعادة مكانتها الخارجية إنطلاقاً من محاولتها للوصول إلى المياه الدافئة وفرض هيمنتها على دول الجوار الغنية بالموارد والثروات الطبيعية. وقد كان الحفاظ على الأمن القومي الروسي ووحدة أراضي روسيا الإتحادية من أهم أهداف الاستراتيجية الروسية، وذلك باعتبار أن اتساع الأراضي الروسية يشكل عاملاً سيادياً يتطلب المحافظة عليها. واعتبرت روسيا أن هناك تحديات خطيرة تواجهها بعد تفكك الإتحاد السوفيتي، حيث لاتزال روسيا تنظر إلى بعض الأراضي على أنها جزء منها لعل أهمها جمهوريات البلطيق ( استونيا وليتوانيا ولاتفيا )، وكذلك جزيرة القرم وإقليم دونباسك في أوكرانيا،([4]) والذي من أجلها اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية 24 فبراير/ شباط 2022.
ويقوم التحليل الجيوبوليتيكي على ثلاثة أسس مهمة هي:([5]): اختيار الدولة كمرجع أساسي للدراسة، وصف الوضع الجغرافي وحقائقه كما يبدو وارتباطه بالقوى السياسية المختلفة، وضع ورسم الإطار المكاني الذي يحتوي على مختلف القوى السياسية المتصارعة
ويقوم مفهوم الصراع الجيو بوليتيكي في العالم كما حدد هالفورد مكندر، على ثلاث مراكز رئيسية هي: قلب الأرض (القوى البرية)، الهلال الداخلي (أو منطقة الإصطدام)، الهلال الخارجي (أو القوى البحرية).
من هنا يمكن القول إن روسيا الإتحادية تُمثل قلب الأرض، ويصعب غزوها براً لعمق أراضيها، وكذلك بحراً بسبب المحيطات المتجمدة، وأما الهلال الداخلي فهي المنطقة التي تحيط بالقلب، وهي أراضي أوراسيا والجزيرة العربية إضافةً للصين والهند، ويأتي بعد ذلك الهلال الخارجي ويضم أفريقيا بالإضافة لليابان وأستراليا. لذلك نرى هذا التصادم بين القوتين الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وروسيا الإتحادية التي تريد إعادة وضعها الجيوبوليتيكي لتكون دولة القلب.
ولما جاءت نظرية سبيكمان داعمة لنظرية ماكندر مع بعض التعديلات، جاء سبيكمان ليبرز الأهمية الجيوستراتيجية للهلال الداخلي وأسماها الحافة الأرضية، أو الهامش القاري أو منطقة الإصطدام والتي يعني فيها الإصطدام ما بين قوى البر وقوى البحر، فمن يسيطر على هذه المنطقة يسيطر على قلب الأرض ومن يسيطر على قلب الأرض يسيطر على العالم.
وهنا يؤكد سبيكمان بأن أخطر شيء سوف يواجهه العالم، هو اتحاد دول منطقة الإصطدام، فاتحادهم سوف يكون قوة عظمى ضد كل من القلب (الإتحاد السوفيتي سابقاً، روسيا الإتحادية حالياً)، والأطراف (أمريكا وحفائها البحريين). ويقول بأن تاريخ العالم ليس إلا صراعاً على الدول الواقعة على هامش أوراسيا بين الدول البحرية والدول القارية، وأن الدول الواقعة على أطراف أوراسيا أغنى بالموارد البشرية والزراعية والصناعية والمواصلات البرية والبحرية من قلب الأرض، أي من الإتحاد السوفيتي سابقاً، روسيا الإتحادية حالياً. وبالتالي إذا اتحدت الدول الواقعة على أطراف أوراسيا بزعامة دولة ما فإنها تصبح أقوى من قلب الأرض وقادرة على احتلاله. وهنا يرى الباحث أن مجريات العمليات العسكرية على الأرض الآن في الحرب الروسية – الأوكرانية، يمكن أن تكون تفسيراً منطقياً لنظرية سبايكمان.
وعليه لابد من دراسة وجهات النظر الرئيسية التي تراها روسيا وتريد تطبيقها لحماية أمنه القزمي وهي: أولاً أنَّها تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة الدولية التي أسستها الولايات المتحدة وحلفها الغربي منذ العام 1991. وثانياً أنَّ روسيا هي قوة دفاعية تعمل من أجل تغييرات تدريجية داخل النظام العالمي الحالي. وثالثاً أنَّ روسيا تريد أن تعيد مجدها، وأن تحترم الدول التزاماتها معها، ولا أن تكون الساحة الروسية أو الدول الموجودة في فنائها خاصرة رخوة تهدد الأمن القومي الروسي.([6])
ويرى الباحث أن وجهات النظر هذه تشكل أركان أساسية في العقيدة الأمنية والعسكرية الروسية، والتي يحاول الرئيس بوتين تطبيقها عملياً على أرض الواقع منذ تدخله في جورجيا إلى حربه في أوكرانيا
وقد بدأت السياسة الخارجية الروسية تأخذ منحىً آخر، نتيجة للوقوع تحت تأثير ضغط المتغيرات الجديدة، حيث بدت فيه ملامح التوجه “الأوراسي الجديد”، على اعتبار أن روسيا الإتحادية دولة أوروبية – آسيوية (أوراسية)، لذلك عليها أن توجه سياستها الخارجية نحو هذا العالم، ففي العالم الأوراسي تقع روسيا الإتحادية وفيه تكمن مصالحها، كما أنه من هذا العالم تنبع مصادر التهديد الأساسية للأمن القومي الروسي.
ويبدو أن التوجه الروسي نحو أوراسيا الجديدة جاء مع تعيين” يفغيني بريماكوف” وزيراً لخارجية روسيا الإتحادية في كانون ثاني 1996م، ونتيجة للتغير البطيء في السياسة الروسية نحو هذا التوجه. وبناءً عليه قام بريماكوف في بلورة خطة استراتيجية لدور روسيا الإتحادية، وهو ما عرف باسم “مبدأ بريماكوف” في السياسة الخارجية الروسية، حيث شمل هذا المبدأ النقاط التالية:([7])
(أ) إنشاء نظام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية التوافقية
(أ) إنشاء تحالف أوراسي بين روسيا الإتحادية والصين والهند ” كمثلث استراتيجي” يوازن القوة الأمريكية، وانطلاقاً من هذا التصور أسهمت روسيا الإتحادية في إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون، وقد تطورت هذه الفكرة سياسياً وعسكرياً لضم كل من جنوب إقريقيا والبرازيل إلى هذا التحالف وتشكيل ما يعرف اليوم بتحالف دول البريكس.
(ج) المعارضة الشديدة لتوسع حلف شمال الأطلسي في دول حلف وارسو المنحل
(د) تكريس انتهاء العداء مع دول حلف شمال الأطلسي عبر توقيعه من سكرتير الحلف في أيار 1997م، والإعلان عن تأسيس علاقات متبادلة تنص على إنهاء حالة العداء بين روسيا الإتحادية ودول حلف شمال الأطلسي.
(هـ) الدفاع عن منظمة الأمم المتحدة وإعادة تنظيمها وتقوية دورها الذي بدأ يضعف أمام هيمنة دول حلف شمال الأطلسي.
وقد استلم بوتين السلطة عقب حرب كوسوفو وهو يدرك تماماً أن ضعف الموقف الروسي في الرد على الحرب على يوغسلافيا، سيحدد إلى حد كبير مستقبل الدور الروسي في السياسة الدولية، وكان عنوان المرحلة التالية وفق قاعدة أنه ” إذا كان موقف الرئيس بوريس يلتسين في كوسوفو يشكل عنواناً لتعامل الغرب معه، فإن موقف الرئيس بوتين في الشيشان يشكل عنواناً لتعامله مع الغرب”. ففي الحالة الأولى اضطر يلتسين للإذعان لإرادة حلف شمال الأطلسي، أما في الحالة الثانية فاضطر حلف شمال الأطلسي للإذعان لإرادة الرئيس بوتين، من هنا أتت شعبية الرئيس بوتين في روسيا والتي أوصلته إلى الرئاسة، وكذلك من هنا بدأ قلق الغرب معه([8]).
بعد استلام بوتين منصب الرئاسة في 7 أيار 2000م، قدم مباديء أساسية لسياسة روسيا الخارجية، عرفت فيما بعد ” بمدأ بوتين “، وكانت هذه المباديء تركز على مايلي:([9])
- التركيز على برامج الإصلاح الداخلي على حساب السياسة الخارجية، وعلى أن الأهداف الداخلية لروسيا الإتحادية تلغي اهداف السياسة الخارجية الروسية
- الحفاظ على روسيا الإتحادية كقوة نووية عظمى
- تطوير دور روسيا في عالم متعدد الأقطاب، لا يخضع لهيمنة قوة عظمى واحدة
- العمل على استعادة دور روسيا الإتحادية في آسيا والشرق الأوسط
- عدم السماح للغرب بتهميش الدور الروسي في العلاقات الدولية
- التخلص تدريجياً من نتائج الحرب الباردة، والتي تم التعامل فيها على اعتبار أن روسيا هي الطرف المغلوب
- إذا استمر توسيع حلف الأطلسي شرقاً باتجاه حدود روسيا الإتحادية فسنعيد دعم الترابط بين دول الإتحاد السوفيتي السابق لحماية منطقة خط الدفاع الأول
- إن روسيا الإتحادية تعارض نظام القطبية الأحادية
- ستعمل روسيا الإتحادية على دعم بيئتها الأمنية في الشرق الأقصى عن طريق تقوية علاقاتها مع الصين والهند واليابان
من خلال ماتقدم يبدو للباحث أن الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، لم يكونوا راغبين يوماً بإخراج روسيا الإتحادية من أزمتها، لرغبتهم في إبقائها ضمن مفهوم الدول الضعيفة غير القانعة، والتي تبحث عن دور في نظام عالمي تهيمن عليه الولايات المتحدة لأطول فترة ممكنة. ويبدو أن هذا ما دفع بوتين استنادأ للمباديء التي أكدها على المضي قدما في تحقيق مصطلح روسيا الأوراسية، وتركيز إنتباهه على حدوده منعاً لاقتراب حلف شمال الأطلسي، وهذا الذي دفع بروسيا لحربها مع أوكرانيا.
ثانياً: التحولات الاستراتيجية الروسية رغبة في تغيير النظام الدولي
يبدو أن دعوة ” يفغيني بريماكوف” وزير خارجية روسيا الإتحادية عام 1996م، إلى بلورة خطة استراتيجية لدور مستقبلي لروسيا الإتحادية في نظام عالمي جديد، والذي عرف باسم “مبدأ بريماكوف”، أسس لبناء تحالف اوراسي جديد أسماه “المثلث الاستراتيجي ” والذي يتكون من روسيا الإتحادية والصين والهند، ليشكل توازناً مع القوة الأمريكية. فكرة هذا المثلث تجذرت في نهاية الحرب الباردة، عندما هيمنت الولايات المتحدة الأمريكية على التفاعلات العالمية، وفكرة هذا المثلث رفعت الأمل في بناء عالم متعدد الأقطاب، يمكن من خلاله إيجاد نظام دولي اقتصادي وسياسي عادل ومستقر)[10](. وتكمن قوة هذا المثلث في قوة أطرافه الثلاثة، التي تعد دولاً نووية، وذات قدرات عسكرية وإستراتيجية هامة، وتستند إلى قاعدة بشرية تتجاوز مليارين ونصف مليار نسمة، أي أكثر من ثلث سكان العالم، فضلا عن كون هذا المثلث يمتد جغرافيا على ما يزيد عن نصف القارة الآسيوية.
ولكل من الدول الثلاث دوافع ومصالح تجاه فكرة المثلث الإستراتيجي، وترى فيه إمكانية لتحقيق مكاسب إستراتيجية معينة وتجنب عوامل معيقة لسياساتها في النظام، وتعد المعارضة المشتركة لتلك الدول للهيمنة الغربية أحد حوافز الشراكة بينها. وما حدث من تطور في العلاقات بين روسيا والصين والهند غداة إعلان “بريماكوف” عن فكرة المثلث الإستراتيجي لا يمكن أخذها بمعزل عن معارضتها لعالم تسوده القطبية الأحادية الأمريكية)[11](.
بادرت روسيا لاستعادة مركزها الاستراتيجي، عبر سياسات متدرجة زمانيا وجيوبوليتيكيا، في إطار توجهها الأوراسي حيث عملت على توطيد علاقاتها مع الصين والهند، وكان ذلك في إطار ثنائي في البداية ثم أخذ أبعادا مؤسساتية ومتعددة الأطراف، وكان لأحداث 11 سبتمبر 2001م، دوراً كبيراً في إعطاء دفعة جديدة للعلاقات بين الدول الثلاث. حيث سمحت تلك الأحداث بحصول تطور إستراتيجي حاسم سببه التواجد العسكري الأمريكي في آسيا الوسطى على حدود روسيا والصين والهند.
بناءً عليه يمكن الحديث هنا عن الدور المتصاعد لبعض القوي وتأثيرها على النظام الدولي، إلا أن ما يعنينا هنا هو الحديث عن الدور الروسي في الساحة الإقليمية والساحة الدولية. فإذا نظرنا إلى هذا الدور، نجد أن روسيا استفادت من سياسة الانكفاء الأمريكي عن منطقة الشرق الأوسط خلال إدارتي الرئيس باراك أوباما منذ 2009 إلى 2017، في تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، التي ظلت ساحة تقليدية لنفوذ الولايات المتحدة لفنرة طويلة من الزمن، لتصبح روسيا الفاعل الدولي المؤثر في هذه المنطقة وعدد من الملفات الأخرى، ولاسيما في الأزمة السورية([12])، حيث اعتبرتها روسيا فرصة سانحة لإعادة مكانتها الدولية.
حيث اكتسبت روسيا الثقة بنفسها بعد تمكنها من قلب الأوضاع الميدانية لصالح النظام السوري بعد سقوط المعارضة في حلب بتاريخ كانون الأول 2016، لتبدأ باختبار قدراتها على بناء ترتيبات أمنية وسياسية وإقليمية انطلاقا من سوريا، لتستطيع من خلال ذلك تحدي الولايات المتحدة الأمريكية في الساحة الدولية. لذلك تدرك روسيا أن ما حققته من نتائج مرحلية وإظهار نفسها كقوة كبري لها اليد العليا في الملف السوري، وتسويق قدرة روسيا على تهميش وتحدي الدور الأمريكي، إنما يعود بالدرجة الأولي إلى المقاربة الامريكية التي آثرت عدم تحدي روسيا([13])، هذا مع تواجد قوات أمريكية في بعض المناطق السورية.
إن قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم، كان بمثابة رسالة قوية أعلنت للعالم بأنها عادت لتحتل مكانتها اللائقة بها كدولة عظمى، ففي مارس/ أذار عام 2014م، تم ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا الإتحادية، حيث كانت جزءاً من الأراضي الأوكرانية منذ عام 1954م ضمن الاتحاد السوفيتي، ورافق الضم تدخل عسكري من روسيا في شبه جزيرة القرم الذي حدث في أعقاب الثورة الأوكرانية عام 2014، وكان جزءاً من اضطرابات أوسع في جنوب وشرق أوكرانيا.
كما أعقب ذلك قيام روسيا الإتحادية بشن حرب على أوكرانيا في شهر شباط 2022م، مدعية أن أوكرانيا تنوي الدخول في حلف شمال الأطلسي مما يعني أن قوات الحلف ستكون على الحدود الغربية لروسيا. وبهذه العبارة قال بوتين قولته المشهورة:)[14]( “هذه هي إرادة الملايين، وسنستعيد كافة أراضينا، فهناك تاريخ مشترك بين روسيا، والأقاليم الأربعة”..
بهذه العبارات أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم أقاليم دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، وكلها مناطق أوكرانية سيطرت عليها القوات الروسية جزئيا، وذلك بعد استفتاء على انفصالها استمر ثلاثة أيام.
وتضاف هذه المناطق إلى شبه جزيرة القرم، التي سبق لروسيا ضمها عام 2014، متعهدا بإعادة بناء المناطق التي ضمها، والاهتمام بمواطنيها، والدفاع عنها بكل الوسائل الممكنة، باعتبارها أراضي روسية. وتكمن أهمية ضم الأقاليم الجديدة في أنها أصبحت جزءا من روسيا الاتحادية، وتخضع بالتالي لقوانين وقواعد الاتحاد، ما قد يعني أن توجيه أية ضربات عسكرية لها ستعد استهدافا للأراضي الروسية.
ويرى الباحث أن قيام روسيا بضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة بعد الاستفتاء، يعتبر تغيير في الخارطة الدولية وهو ما لم يحصل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، سوى ماقامت به إسرائيل من ضم الأراضي المحتلة في فلسطين، وهذا التغيير ستلحقه تغيرات عدة في العالم، وقد تصبح سمة ظاهرة بين الدول القوية على الدول الضعيفة.
ثالثاً: مآلات التحولات الإستراتيجية في ظل تصاعد الدور الروسي
يبدو للباحث أن التحولات الإستراتيجية على الصعيد الدولي، وظهور إرهاصات التغيير في البيئتين الإقليمية والدولية، منحت روسيا الإتحادية فرصة المغامرة لتعظيم مكاسبها، وإن كانت تلك المغامرة مشوبة بالكثير من المخاطر، لأن القوى المعادية لروسيا ما زالت تراقب الدور الروسي القائد لعملية التغيير، مستصحباً معه قوىً إقليمة ودولية توافقه هذا الدور. خاصة تلك القوى الأقل حظاً في عالمنا المعاصر.
وهذا يستدعي إلقاء نظرة على تقسيمات هذه الدول، حسب إنتشارها عالمياً، فهناك نظرة تنتشر في العالم تطبع السلوك الدولي والعلاقات الدولية، صادرة من قبل الدول الأقل حظاً، فهناك سلوكيات دولية متعددة([15]): سلوك الإستقلال مثل الصين وروسيا والهند وتركيا، وسلوك التبعية مثل كوريا الجنوبية واليابان وبريطانيا في السياسة الخارجية وبعض الدول العربية، وسلوك التمرد مثل كوريا الشمالية وإيران وكوبا.
بناءً على ما سبق يمكن مطابقة تلك السلوكيات ببروز بعض العوامل التي تساعد وساعدت على التحرك الدولي من أجل التغير وهي كما يلي([16]):
(أ) ظهور القوى التعديلية في كل مكان، باتت العديد من القوى العالمية الكبرى غير راضية عن النظام الدولي القائم حالياً. وتلتزم الولايات المتحدة، بصفتها القوة العظمى الوحيدة في العالم، بتوسيع الأجندة المحلية لتتضمن برنامجاً عنوانه “إعادة بناء عالم أفضل”. يشير اسم البرنامج نفسه إلى أن النظام العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة بنجاح على مدار أكثر من نصف قرن يحتاج إلى بعض التحسينات.
(ب) فقدان الدول النامية للثقة في النظام العالمي.
(ج) تسلل الفوضى إلى العلاقات الدولية.
يظهر للباحث أن الحرب الروسية الأوكرانية ستغير مجرى العلاقات الدولية، ولكن ليس بالطريقة التي تفهمها القوى الغربية. حيث سنشهد نهاية ما لا يقل عن ثلاثة عقود ونيّف من الهيمنة الأمريكية والغربية على شؤون العالم العسكرية والاقتصادية ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. إن الذي يتشكل بديلاً عن ذلك هو عالم تديره القوى العظمى الجديدة، إلى جانب الولايات المتحدة، تظهر ككتلة واحدة – كتلة القوة الأوروأسيوية، التي تقف الصين في طرف منها وتقف روسيا في طرفها الآخر، وما بين الطرفين توجد أضخم كتلة أرضية في العالم، بما فيها من موارد غير محدودة من الطاقة والقوى البشرية، والقوة العسكرية والسيبرانية والذكاء الصناعي.([17])
ومما أثار حفيظة النظام في روسيا، هو أن واشنطن لم تعتبر روسيا عدواً، بل والأسوأ من ذلك، من وجهة نظر بوتين، أنها اعتبرت روسيا منافساً فاشلاً. وعلى مدى تلك العقود الثلاثة الماضية لم تفتأ واشنطن تقول لموسكو: “نسمع ما تقولون ولكننا سنعمل ما يبدو لنا على كل حال.” إن قائمة التدخلات الغربية اللامتناهية، والتي كانت في آخر المطاف تؤول إلى الفشل، والتي لم يكن لدى روسيا أو الصين ما تفعله لوقفها، كان لها أثراً تراكمياً على النفسية الروسية والصينية. وبينما ملأت روسيا خزائنها بدولارات النفط بدأت أيضاً بإعادة بناء قوتها العسكرية. حينذاك اعتبر الجنرالات البريطانيون والأمريكان ذلك نكتة، ولكن يبدو أنهم تعجلوا الحكم.([18])
وعليه يرى الباحث أننا نعيش الآن حقبة حرب باردة جديدة، ستسفر مجرياتها عن تشكل سيرورة جديدة للعلاقات الدولية بين حرب باردة وأخرى ساخنة بالوكالة، تعمل على سباق تسلح جديد فرضته طبيعة المعارك في مسرح عمليات الحرب الروسية – الأوكرانية.
رابعاَ: التحولات الاستراتيجية في سياق التسلح والعقيدة العسكرية القتالية
لقد شكلت الحرب في أوكرانيا تداعيات جسيمة، مثل: أزمات الطاقة ونقص الغذاء العالمية الناجمة عن العقوبات المفروضة على روسيا، واضطراب سلاسل التوريد، والتوترات التجارية، واحتدام السباق التكنولوجي، وأسوأ ما في الأمر أن هذه المشكلات كلها محفوفة بأزمة ركود وتضخم ارتسمت ملامحها الكئيبة في الأفق. ومن وجهة النظر الأمريكية تبدو موسكو وبكين متهمتان بانتهاك مبادئ النظام العالمي القائم على القواعد، ومع ذلك فإن الشواهد التي تقدم دليلاً على كونهما السبب في تفاقم الأمور ليست مقنعة.
ولخص هنري كيسنجر خطورة هذا الأمر، بالقول: “نحن (الولايات المتحدة) على شفير حربٍ مع روسياوالصين بشأن أمور كانلنا نصيب من أسباب نشأتها، وقد فعلنا ذلك من غير تصور عن عاقبة ذلك، ولا رؤية لما يفترض أن تؤول إليه الأمور”. إن هذه المواجهة قد تؤدي إلى إعادة ترتيب النظام العالمي، لكن التصور الواقعي يرجِّح تشكيل نظام عالمي ثلاثي الأقطاب: ([19])
القطب الأول: الكتلة الديمقراطية الغربية بقيادة الولايات المتحدة، والذي يجسده “ثالوث التحالف المقدس” بين مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7) وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي.
القطب الثاني: الكتلة الأوراسية بقيادة الصين وروسيا، ويضم إيران وبعض جمهوريات آسيا الوسطى.
القطب الثالث: يتألف من الدول التي لا تريد الانضمام إلى أيٍّ من الحلفين، أي بقية دول العالم، التي يطلق عليها الآن جنوب الكرة الأرضية. وغالب الأمر أن تقف هذه الدول على الحياد بينما تتنازع الكتلة الديمقراطية والكتلة السلطوية في الحرب الباردة الثانية.
من هنا جاءت انطلاقة الولايات المتحدة في ردّها على الغزو الروسي لأوكرانيا، باعتباره فرصة لاصطياد عصفورين بحجر واحد، كسر اندفاع الرئيس الروسي وعدوانيّته، وتوجيه رسالة قوية إلى الرئيس الصيني، تنذره بما سيلاقيه في حال هاجم تايوان. وهذا جعل كسب معركة أوكرانيا مصيرية لروسيا والولايات المتحدة، في الوقت نفسه مصير روسيا والرئيس الروسي وتطلّعه لتغيير النظام الدولي تحدّدهما معركة أوكرانيا، ومستقبل النظام الدولي القائم واستقرار أوروبا تحدّدهما معركة أوكرانيا. وقد ترتب على هذه المراهنة القوية إصرار كلا الطرفين على تحقيق نصر واضح.
الرئيس الروسي من خلال رفع مستوى التحدي بالتلويح باستخدام أسلحة نووية والانتقال بالغزو من “عملية عسكرية خاصة” إلى “حرب الشعب الروسي كله” مرورا بتعبئةٍ جزئية، واعتماد سياسة الأرض المحروقة، التي تعتمد على القتل والتدمير لدفع الأوكرانيين إلى الاستسلام والقبول بالشروط الروسية لإنهاء الحرب. بينما الرئيس الأميركي فعّل الدور الأميركي بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في أوروبا، دول البلطيق على وجه الخصوص، وزود أوكرانيا بأسلحة متطوّرة وبعيدة المدى وزودها بالمعلومات الاستخبارية عن التحرّكات الروسية ومواقع تمركز القوات، والقادة على وجه التحديد، لتسهيل استهدافهم وإرباك الخطط الروسية.([20])
وبناءً عليه يمكن رؤية ذلك جلياً من خلال التغيرات التي أحدثتها الحرب الروسية-الأوكرانية في الاستراتيجية العسكرية لكل من اليابان وألمانيا. حيث ظلّت استراتيجيات الأمن القومي لكل من ألمانيا واليابان دفاعية بامتياز، حتى جاء العدوان الروسي على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير 2022، وكان بداية لتحولات استراتيجية بموافقة أمريكية في استراتيجيات الأمن القومي للدولتين، اللتان أصبحتا حليفين استراتيجيين للولايات المتحدة، ويتحولان من الدفاع للهجوم برعايتها وموافقتها، في مواجهة روسيا الاتحادية التي كانت حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.
وهذا ما تحدث عنه د. عصام عبد الشافي عن التحولات الاستراتيجية للأمن القومي لكل من اليابان وألمانيا وكما يلي:([21])
أولاً: التحول الاستراتيجي في الأمن القومي الياباني
- رصد ميزانية تقديرية، 300 مليار يورو، للإنفاق العسكري خلال 5 سنوات، بزيادة 56% عن السنوات الخمس السابقة (2017-2022) بهدف امتلاك قدرات عالية على شن هجوم مضاد بأسلحة قادرة على استهداف مواقع إطلاق صواريخ العدو، وفي هذا السياق يأتي التحرك الياباني لشراء 500 صاروخ توماهوك كروز من الولايات المتحدة وصواريخ “إس إم-6” طويلة المدى، وذلك في حال وجود خطر حتمي على اليابان، أو خطر على دولة صديقة يقود لخطر حتمي على اليابان،
- نشر أكثر من ألف صاروخ كروز طويل المدى، وتحسين صواريخها المضادة للسفن من النوع 12 والمركبة على شاحنات، والتي طورتها مجموعة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة اليابانية، لكن مداها الحالي لا يتجاوز 200 كيلومتر، وكذلك تطوير صواريخ “فرط صوتية” تُحلق بسرعة أكبر 5 مرات من سرعة الصوت.
- بناء نحو 130 مستودعاً جديداً للذخيرة على أراضيها بحلول عام 2035 لاستيعاب صواريخ “الهجوم المضاد” وغيرها من الأسلحة.
- تعزيز الوجود العسكري في الجزر الواقعة في أقصى الجنوب، الأقرب إلى تايوان والبر الرئيسي للصين، من خلال مضاعفة وحدات قوات الدفاع الذاتي المجهزة بقدرات اعتراض الصواريخ الباليستية، وزيادة عدد جنودها المتمركزين في مقاطعة أوكيناوا في الطرف الجنوبي الغربي من الأرخبيل، من ألفين إلى ثلاثة آلاف جندي.
- وضع قوات الدفاع الذاتي البرية والبحرية والجوية اليابانية تحت قيادة موحدة من أجل الاستجابة بسرعة أكبر لحالات الطوارئ.
- إنشاء وحدات متخصصة جديدة من قوات الدفاع الذاتي، تكون مسؤولة عن الطائرات المسيرة والحرب الإلكترونية.
- تحسين القدرات على جمع المعلومات والرد على الأسلحة عالية التقنية مثل القنابل المحلقة والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وتطوير طائرة مقاتلة من الجيل التالي بحلول عام 2035 مع المملكة المتحدة وإيطاليا.
- مضاعفة ميزانية الدفاع السنوية التي تبلغ حاليا نحو 1% من إجمالي ناتجها المحلي، لتصبح 2% بحلول 2027.
كما نصّت استراتيجية الأمن القومي الياباني على قائمة بأهم الخصوم الذين يشكلون تهديداً استراتيجياً مستقبلياً لليابان، وتشمل كلاً من الصين وكوريا الشمالية وروسيا.
ثانياَ: التحول الاستراتيجي في الأمن القومي الألماني
في عدد يناير/ فبراير 2023، نشرت مجلة الشؤون الخارجية (Foreign Affairs) الأمريكية مقالاً موسعاً للمستشار الألماني أولاف شولتز، تحت عنوان: ” كيف نتجنب حرباً باردة جديدة في عصر متعدد الأقطاب؟”، يمكن اعتباره وثيقة رسمية لاستراتيجية الأمن القومي الألمانية لمرحلة ما بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي كانت ألمانيا من أهم القوى الأوربية تعاطياً مع تطوراتها وتحولاتها وما فرضته من تداعيات وتحديات. ومن خلال مقال شولتز يمكن الوقوف على عدد من الأبعاد الأساسية التي تقوم عليها استراتيجية الأمن الألمانية الجديدة، والتي ستشهد تحولات جذرية مقارنة بما كان عليه الوضع قبل حرب أوكرانيا.
ومن بين هذه الأبعاد حدود الدور الألماني، والذي حدده شولتز كما يلي:
- تعزيز نظام دولي قائم على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وتعتمد ديمقراطيتها وأمنها وازدهارها على ربط القوة بقواعد عامة مشتركة.
- أن الألمان عازمون على أن يصبحوا الضامن للأمن الأوروبي، وأن يقوموا بمد جسور التواصل داخل دول الاتحاد الأوروبي، وأن يناصروا كل المساعي التي تستهدف إيجاد حلول متعددة الأطراف للمشاكل العالمية.
- تستطيع ألمانيا وأوروبا المساعدة في الدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد دون الخضوع لوجهة النظر القاضية بأن العالم محكوم عليه بالانقسام مرة أخرى إلى كُتل متنافسة.
- موقع ألمانيا في المعادلات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة، فذكر أنه ” في نوفمبر 1989، تم إسقاط جدار برلين من قبل المواطنين الشجعان من ألمانيا الشرقية. وبعد 11 شهراً فقط من ذلك التاريخ، تم توحيد البلاد بفضل السياسيين ذوي الرؤية البعيدة ودعم الشركاء في كل من الغرب والشرق”. وهذا يعني عدم العودة للإنقسامات الأيديولوجية التنافسية التي كانت سائدة إبان الحب الباردة.
- العمل وبحسم على ما أسماه شولتز،”وقف الإمبريالية الانتقامية لروسيا”، وهنا قال نصاً: “يتمثل الدور الحاسم لألمانيا حالياً في تصعيد دورها كواحدة من موفّري الأمن الرئيسيين في أوروبا من خلال الاستثمار في جيشنا، وتقوية صناعة الدفاع الأوروبية، وتعزيز وجودنا العسكري على الجناح الشرقي لحلف الناتو، وتدريب وتجهيز القوات المسلحة الأوكرانية”.
- إعادة النظر في مبدأ راسخ للسياسة الألمانية منذ عقود بشأن صادرات الأسلحة، فاليوم ولأول مرة في تاريخ ألمانيا الحديث، تقوم بتسليم الأسلحة إلى أحد أطراف حرب دارت رحاها بين دولتين (روسيا وأوكرانيا). وشمل الدعم الألماني لأوكرانيا الأسلحة المضادة للدبابات وناقلات الجنود المدرعة والمدافع والصواريخ المضادة للطائرات وأنظمة الرادار المضادة للبطاريات، وتدريب نحو 15000 جندي أوكراني، ومن بينهم لواء كامل (5000 جندي) في ألمانيا.
- تعزيز ألمانيا لوجودها على الجناح الشرقي لحلف الناتو، في ليتوانيا وتخصيص لواء كامل لضمان أمنها، كما تساهم بقوات في المجموعة القتالية لحلف شمال الأطلسي في سلوفاكيا، وتساعد في مراقبة وتأمين المجال الجوي في إستونيا وبولندا.
قوبل الإعلان عن التحول في السياسة الألمانية برضىً تام من أعضاء الأحزاب الرئيسية في البرلمان، حيث أعلن زعيم المعارضة المحافظة في البرلمان الألماني فريدريك ميرز، مخاطباً بوتين بشكل مباشر، ” لقد طفح الكيل وانتهت اللعبة” ([22]). سيكون هذا التغيير بالتأكيد مكلفاً لألمانيا، خاصة بالنسبة لقطاع الطاقة المعتمد على الاستيراد فيمن الخارج. ولكن كما قال وزير المالية كريستيان ليندنر – الذي ينتمي للحزب الديمقراطي الحر المحافظ اقتصادياً- للبرلمان، فإن هذه التكلفة سيتم النظر إليها على أنها “ثمن الحرية”. وأعلن شولتز أن ألمانيا ستصبح مستقلة عن الطاقة الروسية. وستقوم ألمانيا ببناء ميناءين للغاز الطبيعي المسال على الفور، وتخزين الاحتياطيات الوطنية من الفحم والغاز، والسعي إلى المزيد من عقود التسليم طويلة الأجل في سوق الطاقة الدولية، وزيادة تسريع إنتاج الطاقة المتجددة – أي ضمان “حرية الطاقة”([23]).
التحول في العقيدة العسكرية
قبل الحديث عن التحول في العقيدة العسكري جراء الحرب الروسية-الأوكرانية، لابد من توضيح المعنى المقصود لها اصطلاحا وإجراءً، وكما أجمع عليه الكثير من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، فالعقيدة العسكرية هي جل المفاهيم والمبادئ والتكتيكات الفنية، والأساليب التعبوية المُستخدمة أو المُتّبعة في القوات المسلحة، لضمان الكفاءة في التدريب والتنظيم والتسليح من أجل الإعداد لعمل المؤسسة العسكرية ووحداتها بمستويات قتالية وخدماتية عالية. والعقيدة العسكرية لابد أن تكون مشروعا وطنياً مترابطاً، من أعلى سلطة في الدولة حتى يصل للجندي في الميدان، ويكون أساسه حاجة الدولة إلى الأمن لحماية مصلحتها الوطنية العليا.
ولا بد للعقيدة العسكرية من أسس تقوم عليها، ومصدر تتغذى عليه حتى تصل إلى مرحلة النضج، ثم تستمر لكي تفي بالغرض المطلوب. وتتلخص مصادر العقيدة العسكرية في العقيدة الشاملة للدولة التي تُعد المصدر الأساسي لجميع مستويات العقيدة بشكل عام، والعقيدة العسكرية الأساسية بشكل خاص. ومن الأمثلة على ذلك([24]):
– عقائد الدول: العقيدة الدينية، والأيديولوجيات والأسس والمبادئ التي يضعها القادة السياسيون، وبهذا تختلف العقيدة العسكرية باختلاف ظروف كل دولة، فلا يمكن القول إن هناك عقيدة عسكرية واحدة لكل الدول.
– كذلك الدروس المستفادة من الماضي، وهي من الأسس التي تُبنى عليها العقيدة العسكرية على مُختلف مستوياتها، ويعد التاريخ العسكري مصدرا فعالا وناجحا لبناء العقيدة العسكرية وتطويرها، لأنه حصيلة خبرة وتجارب تكررت.
– التطور التقني، ويلعب هذا العنصر دورا كبيرا في تطوير العقيدة العسكرية وتحديثها.
– مصادر التهديد والتغيرات المستمرة في النظام العالمي.
– طبيعة الحرب القادمة، الحرب المتوقع أن تخوضها الدولة، من حيث نوعها وشكلها ومستوياتها ومشروعيتها ووسائلها.
– وتنعكس طبيعة الدولة الجغرافية على العقيدة العسكرية بشكل مباشر، فموقع الدولة يحدد حجم تنظيماتها العسكرية ونوعيتها وطريقة استخدامها.
– ترتبط العقيدة العسكرية ارتباطا وثيقاً بنظام الدولة، وبالأعباء الملقاة على عاتقها في قطاع السياسة الخارجية والداخلية، وبالحالة الاقتصادية والسياسية والثقافية للبلاد.
من خلال ما تقدم يرى الباحث أن العقائد العسكرية تختلف من دولة لأخرى باختلاف الدول من حيث وضعها السياسي والتاريخي، كما يشكل نظام الحكم فيها عامل مهم، إضافة إلى طبيعة العلاقة مابين الجيش والشعب. ويمكن رؤية هذه الخلافات بوضوح مابين العقيدة العسكرية الشرقية والعقيدة العسكرية الغربية والتي كانت سائدة إبان الحرب الباردة وكما يلي:([25])
- العقيدة العسكرية الغربية مستعدة للتضحية بالآليات والجوانب المادية، في حين تحرص في المقابل على الحفاظ على الأرواح، فغضبة المجتمع في هذا الشأن كاسحة.
- بينما العقيدة الشرقية تدفع بالأعداد البشرية الهائلة، كما أن أداء القوات الشرقية الميدانية يركز على إطاعة الأوامر بالتفصيل، بينما تستأثر القيادة المركزية بالمرونة والابتكار.
- في العسكريات الغربية، فتعطى القيادة الميدانية حرية أكبر في اتخاذ القرارات، ولهذا
فهناك اعتماد أكبر على نوعيات أفضل للسلاح تقديرا لحياة المقاتلين وحرصا أكبر على أرواحهم. ولذلك، فإن الغرب أبدى استعداده لمنح أفضل الأسلحة لأوكرانيا في حربها مع روسيا، ولكنه لم يقدم لها جنديا واحدا.
- لكن في العقيدة الشرقية ركز الروس مثلا وكذلك الصينيون في تصنيعهم للسلاح على السلاح العملي والرخيص سهل التعويض، لأن هذا يتيح خيارات أكبر للقيادة الإستراتيجية.
يرى الباحث أن الحرب الروسية-الأوكرانية سارعت في طبيعة التغيير في العقائد العسكريةعلى المستويين الشرقي والغربي، إلا أن العقيدة العسكرية الشرقية كانت أسرع في عملية التغيير من العقيدة الغربية، ركز الروس في حربهم مع أوكرانيا على تطبيق عقيدتهم العسكرية أيام الإتحاد السوفيتي، لأنهم يقاتلون عدوا مستحدثا كان ذات يوم هو منهم ويستخدم نفس العقيدة، وربما كان لمعرفة العسكريين بحرفية السلوك العسكري الروسي في الهجوم على أوكرانيا تأثير كبير في صد بعض الهجمات والنجاح في هجمات معاكسة ايضاً.
وذلك باستخدام العقيدة العسكرية الجديدة من الجيش الأوكراني والذين تعلموها في مدارس الغرب ومنها ما يسمى” Task Force” أو قوة الواجب والتي تجهز بناءً على طبيعة العملية المقبلة، وليست ذات نسق واحد، إضافة إلى نوعية الأسلحة الحديثة والتي بدات تتدفق على أوكرانيا من دول حلف الناتو، وهذا ما فاجأ الروس في بداية الحرب. لذلك يبدو أن الروس التقطوا التغيير في الأسلوب العسكري الأوكراني، فبدأت لديهم التغييرات في التكتيك والحركة والمناورة، مع إدخال أنواع الأسلحة الجديدة تدريجياً، إلى أرض المعركة دون الإسراف والإستهلاك بدون ثمن، للإقتصاد بالجهد العسكري لأنهم عرفوا أنهم دخلوا مرحلة الإستنزاف.
إلا أن الظاهر حسب رأي الباحث أن مستجدات أخرى دخلت ساحة الحرب أو ميادين القتال الرئيسية شكلت معضلة جديدة، لم تكن في الماضي جزءاً من القوات العسكرية النظامية، وهي معضلة الحرب بالوكالة واستخدام المقاتلين الأجانب، فالغرب استخدم كل الإمكانات المتاحة عسكرياً ومادياً، ولكن دون إرسال جندي غير أوكراني لساحة القتال، باستثناء مشاركة بعض الخبراء والمدربين الذين لم يلتحقوا مع الأوكران في أرض المعركة مع اشتراك بعض المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب القوات الأوكرانية. بينما شاركت قوات “فاغنر” وقوات “قاديروف” الجيش الروسي القتال في ساحة المعركة.
التطورات العسكرية الميدانية (التقليدية وغير التقليدية والمقاتلون الأجانب)
أولاً: الدخول في حرب الإستنزاف
في الحرب الروسية على أوكرانيا والتي بدأت عملياتها العسكرية في شباط عام 2022م، كانت الخطة الروسية تهدف للسيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف، مما يعني سقوط النظام الأوكراني، حيث تمت محاصرة العاصمة الأوكرانية في الهجمات العسكرية الأولى، وكانت القوات الروسية تبعد ٢٠ كيلومترًا عن كييف، ويظهر للمتابعين لسير المعارك في ذلك الوقت أن الخطة الروسية في الهجوم على كييف، كانت مقلدة أو مشابهة للحرب الأمريكية على أفغانستان عام 2001م، والحرب على العراق عام 2003م، والتي كانت نتيجتها سقوط كابل وسقوط بغداد وسقوط الأنظمة السياسية فيهما. ولما لم ينجح الروس باجتياح العاصمة الأوكرانية، حصلت التغييرات في قيادة القوات الروسية على مختلف المستويات، ومختلف الرتب وحتى القيادات الميدانية. وهنا حصلت التطورات الدراماتيكية والمتعلقة بتغير جةهري في الخطة الاستراتيجية الرئيسية والعمل بالخطة ” ب ” أو الخطة البديلة والتي اتخذت من المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا مسرحا لعملياتها الهجومية المكثفة، واعتمدت على استراتيجية فوضى الأهداف وسياسة الأرض المحروقة لبث الرعب في صفوف المدنيين وتحطيم الروح المعنوية للعسكريين.
وهنا يأتي السؤال المهم، هل بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا تتحول إلى حرب استنزاف بعد مضي عام على بدايتها، أم أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم على تداعيات الحرب، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية الأمريكي بلنكن؟
وقد أجاب عليه أحد الباحثين بقوله:([26]) “شكل التهديد الروسي باستخدام السلاح النووي، علامة فارقة في مجريات الحرب الروسية-الأوكرانية، ليكون حاضراً في الحسابات العسكرية الروسية، فيما لو وجدت روسيا نفسها على مشارف هزيمة عسكرية لم تكن في الحسبان قبل دخولها المعركة. يبدو أن هذا التطور شكل حالة إنتقالية في العمليات العسكرية على الأرض الأوكرانية، بحيث توجس الجميع خيفةً مما لا يحمد عقباه، فيما لو تحول التهديد الروسي إلى تفعيل حقيقي لاستخدام السلاح النووي، أو القيام باستخدام اسلحة دمار شاملة، تقود إلى الإنتقال من حرب تقليدية إلى حرب غير تقليدية.
وفي هذا الصدد يرى الباحث أن حرب الإستنزاف بدأت بعد أن صمدت أوكرانيا في وجه الهجوم الأول لروسيا، ونجاح أوكرانيا في صد الهجوم عن كييف، ونجاحها بالهجمات المعاكسة على القوات الروسية. لذلك نجد أن القتال بعد تلك المرحلة قد أصبح يأخذ شكل صراع الإرادات بين استراتيجيتين، ” الاستراتيجية الأمريكية والاستراتيجية الروسية “، حيث تهدف الاستراتيجية الأمريكية إلى إضعاف روسيا وإيصالها إلى قناعة جديدة بأن استمرارها بالحرب على أوكرانيا، سوف يكلفها الكثير من الخسائر الإقتصادية والعسكرية والتي قد لا تقوى على تحملها، من خلال استراتيجية أمريكية تهدف إلى إطالة أمد الحرب.
في حين أن الاستراتيجية الروسية تحاول الانتهاء من تحقيق أهدافها الحالية والمتمثلة في السيطرة على المناطق الشرقية أو الجزء الأكبر منها لفرض واقع سياسي جديد، وهو أن تعلن أوكرانيا تخليها عن الانضمام إلى حلف الناتو وفي ضوء هاتين الاستراتيجيتين لكلا الدولتين، يدور الصراع بأشكال مختلفة يكون الصراع العسكري هو الأوضح والأبرزإلا أن الأخطر منه والأهم هو الصراع الدولي على الطاقة والحرب الاقتصادية وليست العقوبات القاسية على روسيا الاتحادية ببعيدة عن ذلك.
في ندوة بعنوان “أوكرانيا: التطورات العسكرية التقليدية وغير التقليدية والمقاتلون الأجانب”([27])، تحدث عمر عاشور عن خلفيات الغزو الروسي لأوكرانيا، منذ عام 2014م، والخاص باستعادة شبه جزيرة القرم حسب الرواية الروسية، وحتى قرابة 8 أشهر من الحرب، قارن فيها العملية العسكرية الروسية ذات الطبيعة الهجينة المعقدة في شبه جزيرة القرم (شباط/ فبراير 2014)، التي فاجأت الجانب الأوكراني. وإذا جرت المقارنة بين التحرّك الروسي في جمهورية القرم (آذار/ مارس 2014) والتحرك الانفصالي المدعوم روسيًا في مدينة ومقاطعة خاركيف (نيسان/ أبريل 2014)، مع الإشارة إلى أن المنطقتين تتحدثان الروسية، نجد أن ما جرى في القرم انتصار حاسم للطرف الروسي، أما ما حدث في خاركيف فهو هزيمة منكرة له.
ثم تحدث عاشور عن تقييم التطورات العسكرية التقليدية والهجينة في حرب 2022، فأشار إلى وجود ثلاث مراحل لهذه الحرب، واعتبر أن الحرب في المرحلة الأولى كانت حرب مناورات متعددة المجالات، شملت عمليات برية وبحرية وجوية واستخبارية/ معلوماتية وسيبرانية وإلكترونية، إضافةً إلى المقاتلين الأجانب، إلا أن هذه العمليات الروسية واجهت فشلًا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وتحولت الحرب في المرحلة الثانية، إلى حرب مخندقة تعتمد على الثبات المدفعي أكثر من المناورات، وبتركيز على الشرق والجنوب، وعلى محاولات التقدم المتدرج والحذر بالسيطرة على أجزاء صغيرة، وبذلك سيطرت القوات الروسية على مقاطعة لوغانسك بالكامل الشهر الماضي، وأكثر من نصف مقاطعة دونيتسك. أما المرحلة الثالثة، فشهدت فيها جبهة الدونباس تغييرات قليلة وليست حاسمة، فقد تقدم الجانبان من 5 إلى 10 كيلومترات ووقعت هجمات وهجمات مضادة متبادلة، أما الجبهة الجنوبية فآخذة في التغيّر، إذ يبدو أن القوات الأوكرانية تتحرك وتقوم بهجمات مضادة وذلك نتيجة زيادة حجم الدعم الغربي.
المقاتلون الأجانب
ركزت مداخلة الباحث” كاسبر إدوارد ريكافيك “([28])، على ظاهرة المقاتلين الأجانب الذين شوهدوا على خطوط المواجهة في الحرب الروسية-الأوكرانية منذ عام 2014، ولدى الجانبين، مشيرًا إلى أن الظاهرة ليست بالجديدة على المنطقة، وشدد ريكافيك على أن الفرق في مسألة المقاتلين الأجانب بين حرب 2014 والحرب الحالية 2022، يتمثل في أن الحرب الأخيرة تقليدية إلى حدٍ بعيد، لكن ثمة اهتمام من الجانبين بدعوة المتطوعين للقتال، مما خلق تنافسًا في هذا المجال لكسب المشروعية دوليًا، فإثر دعوات الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي المتطوعين الأجانب للقدوم من كافة أنحاء العالم للدفاع عن أوكرانيا، عملت روسيا في المقابل، وفي خضم محاولات عزلها غربيًا، على إظهار أن لها حلفاء مستعدين للدفاع عنها أيضًا. وعلى الجانب الأوكراني، يؤدي المقاتلون الأجانب دورًا أساسيًا، إذ أحدثوا فارقًا بالفعل في الكثير من الاشتباكات. وفي إطار الإجابة عن سؤال مصير المقاتلين الأجانب في الصف الروسي بعد انتهاء الحرب، يرى ريكافيك أن هؤلاء المقاتلين الأجانب يتسببون في عدم الاستقرار السياسي في البلدان التي يستقرون فيها.
الإنتقال من الحرب التقليدية إلى الحرب غير التقليدية
ذكر هاميش دي برتون-غوردون([29]): إن نمط الحرب الروسية التقليدية على أوكرانيا بدأ في التراجع بسبب التداعي التكنولوجي والعسكري والعقيدة القتالية الروسية التي تعود إلى القرن العشرين، وتفتقر إلى مقومات النجاح في القرن الحادي والعشرين، لهذا بدأ التركيز الروسي على ما يسمّى بالحرب غير التقليدية، وهي تعني جعل السكان المدنيين في جوهر الحرب وصميمها، إضافةً إلى استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، ليكون أثرها على المدنيين أكبر، بهدف جعلهم يستسلمون حتى يحذو العسكريون حذوهم، وهو ما تفعله روسيا في أوكرانيا. فإذا لم تتوافر الضوابط الأخلاقية ولا يجري الالتزام باتفاقيات جنيف، فإنّ الحرب غير التقليدية تُستخدم من أجل البقاء في السلطة، وذكر غوردون أن ثمّة استهدافًا روسيًا للعديد من المنشآت والمصانع الكيميائية في أوكرانيا من دون وجود أي هدف استراتيجي من وراء ذلك، إضافةً إلى تلويح روسيا بقدراتها النووية خلال الحرب على أوكرانيا، حيث أنها رفعت حالة تأهّب قواتها النووية الميدانية.
الخلاصة
إن نشوة النصر الذي أحـست بها روسيا بضم شبه جزيرة القرم 2014، ربما كان الطُعم الذي فتح الباب لروسيا لتدخلات جيوسياسية في دول الجوار، تحت ذريعة الحفاظ على الأمن القومي الروسي ضد أي تهديدات خارجية، يكون لحلف الناتو والولايات المتحدة يد فيها. أراد بوتين أن يستبق الوقت من خلال استشراف التغيرات الجيواستراتيجية المتسارعة في المجال الدولي والجوار الإقليمي، فأبدى معارضته لانضمام أوكرانيا والسويد وفنلندا لحلف الناتو، وربما كانت هذه أهم أسباب شن الحرب على أوكرانيا، لأن وجود الناتو على حدود روسيا يعني تهديدا حقيقياً للأمن القومي الروسي.
وعليه فإن روسيا الإتحادية تنظر إلى هذه التحولات من خلال نظرتها للتهديدات الجيوبوليتيكية لأمنها القومي، لذلك حددت العقيدة العسكرية الروسية التي صادق عليها الرئيس فلاديمير بوتين في 26 ديسمبر 2014، التهديدات الأمنية الأساسية على روسيا، مثل التهديد النابع من توسيع عضوية حلف شمال الأطلسي واقتراب بنيته العسكرية من حدود روسيا الاتحادية، ونشر القوات الأجنبية في البلدان المجاورة لها.
إن تفعيل مبدأ بريماكوف القاضي بتكوين المثلث الاستراتيجي والمكون من روسيا والصين والهند لحماية الأمن القومي، حدد السمات الرئيسة للسياسة الخارجية الروسية والتي تسعى من خلالها إلى تغيير قواعد اللعبة الدولية، التي أسستها الولايات المتحدة وحلفها الغربي منذ العام 1991. وأنَّ روسيا هي قوة دفاعية تعمل من أجل تغييرات تدريجية داخل النظام العالمي. إضافة إلى أن رووسيا تريد أن تعيد مجدها، وأن تحترم الدول إلتزاماتها معها، ولا تكون الساحة الروسية خاصرة رخوة تهدد الأمن القومي الروسي. بادرت روسيا لاستعادة مركزها الاستراتيجي، عبر سياسات متدرجة زمانيا وجيوبوليتيكيا، على التحرك الدولي من أجل التغير مع ظهور القوى التعديلية في كل مكان، وفقدان الدول النامية للثقة في النظام العالمي.
الإستنتاجات
يمكن القول إننا أمام حرب باردة جديدة، ستسفر عن تشكل سيرورة جديدة للعلاقات الدولية بين حرب باردة وأخرى ساخنة بالوكالة، تعمل على سباق تسلح جديد فرضته طبيعة المعارك في الحرب الروسية – الأوكرانية. إن ما يمكن أن تؤول إليه التحولات الأمنية والاستراتيجية والعسكرية، تقود إلى تحولات في سياق التسلح والعقيدة العسكرية القتالية، وفي دخول فاعلين جدد في تعقيدات العمليات العسكرية، مثل المقاتلين الأجانب، وبروز ضرورة لاستخدام أسلحة جديدة وفتاكة ولكن دون النووية. وهذا ما لخصه هنري كيسنجر بقوله: “نحن (الولايات المتحدة) على شفير حربٍ مع روسياوالصين بشأن أمور كانلنا نصيب من أسباب نشأتها، وقد فعلنا ذلك من غير تصور عن عاقبة ذلك، ولا رؤية لما يفترض أن تؤول إليه الأمور”. إن هذه المواجهة قد تؤدي إلى إعادة ترتيب النظام العالمي، على شكل نظام ثلاثي الأقطاب:
القطب الأول: هو الكتلة الديمقراطية الغربية بقيادة الولايات المتحدة، والذي يجسده “ثالوث التحالف المقدس” بين مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7) وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي.
القطب الثاني: هو الكتلة الأوراسية بقيادة الصين وروسيا، ويضم إيران وبعض جمهوريات آسيا الوسطى.
القطب الثالث: فيتألف من الدول التي لا تريد الانضمام إلى أيٍّ من الحلفين، أي بقية دول العالم، وغالب الأمر أن تقف هذه الدول على الحياد بينما تتصارع الكتلة الديمقراطية والكتلة السلطوية في الحرب الباردة الثانية.
إن من أبرز التحولات التي ساهمت بها هذه الحرب هو التحول الاستراتيجي للأمن القومي لكل من اليابان وألمانيا، والسماح لهما ببناء قوة عسكرية هجومية، خلافا لما فرض عليهما بعد الحرب العالمية الثانية، والسماح لهما ببناء هذه القوة وبدعم أمريكي أوروبي، خاصة مع تحول الحرب لتأخذ شكل حرب استنزاف، قد يعقبها تلويح باستخدام السلاح النووي.
لقد شكلت الحرب في أوكرانيا تداعيات جسيمة، مثل: أزمات الطاقة ونقص الغذاء العالمية الناجمة عن العقوبات المفروضة على روسيا، واضطراب سلاسل التوريد، والتوترات التجارية، واحتدام السباق التكنولوجي، وأسوأ ما في الأمر أن هذه المشكلات كلها محفوفة بأزمة ركود وتضخم ارتسمت ملامحها الكئيبة في الأفق.
لتحميـل الدراسـة كاملـة
([1]) عبدالله علي زياد، ” الإستراتيجية الأمريكية والنظام الدولي “، موقع المنهل، تاريخ الزيارة: 5/2/2023، أنظر الرابط: https://urlz.fr/lWF8
([2]) Anastassia Astrasheuskaya, “Polar powers: Russia’s bid for supremacy in the Arctic Ocean”, Financial Time, (2019, April 28).
[3] Military Doctrine, 2014, https://rusemb.org.uk/press,2020
[4] . نجاة مدوخ، “السياسة الخارجية الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط في ظل النحولات الراهنة: حالة سوريا 2010-2014“، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة- الجزائر2015، ص 74.
[5] . جاسم سلطان، ” الجغرافيا والعالم العربي القادم: جيوبوليتيك، عندما تتحدث الجغرافيا “، ط1، بيروت-لبنان، تمكين للأبحاث والنشر، 2012، ص ص 63-66 .
[6] . شهاب المكاحلة، ” روسيا ترسم معالم النظام العالمي الجديد “، موقع الميادين، 18 آذار 2022 ، تم الإسترجاع بتاريخ 8/2/2023 ،أنظرالرابط : https://urlz.fr/lWFh
[7] . وسيم خليل قلعجية، ” روسيا الأوراسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين “، ط1، بيروت-لبنان، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2016، ص ص 42-45
[8] . محمد السماك، ” أي روسيا برئاسة بوتين “، جريدة المستقبل، بيروت-لبنان، 20نيسان 2000م
[9] . وسيم خليل قلعجية، ” روسيا الأوراسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين “، مصدر سابق، ص 47
[10] . Igor Denisov, “Russia-India-China Triangle – From Russian Perspective“, Discussion Paper for the 11th Berlin Conference onAsian Security (BCAS), Triangular formations in Asia Genesis,strategies, value added and limitations, Berlin, September 7-8, 2017. P.2.
[11] . V. K. Grover. “The Strategic Triangle” India Quarterly, January 1, 2002. p. 21
13. مستقبل الإستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تاريخ الاطلاع: 9/2/2023، أنظر الرابط: https://urlz.fr/lWFv
[13] . دراسة بعنوان ” الدور الروسي في سوريا الواقع والمآلات، مجلة رؤية تركية، 2018م العدد2، تم الإطلاع بتاريخ 9/2/2023، أنظر الرابط:https://urlz.fr/lWFm
[14] . روسيا تتوسع.. هذه أهمية الأقاليم الأربعة التي شملها الضم لندن-عربي 21 الأربعاء، 12 أكتوبر 2022، تم الإطلاع بتاريخ 9/2/2023، أنظر الرابط: https://urlz.fr/lWFB
[15] . جاسم سلطان، مصدر سابق، ص 46
[16] . ” لا أحد يريد النظام الحالي.. أمريكا ترغب في “تحسينه” والصين وروسيا لا تقدمان بدائل، فإلى أين نتجه؟”، موقع عربي بوست، نشر بتاريخ 4/8/2022، تم الإطلاع بتاريخ 9/2/2023م، أنظر الرابط: https://arabicpost.net
[17] . ديفيد هيرست، ” أقطاب العالم يعيدون رسم الخطوط الحمراء مجددًا “، نشر بتاريخ 26/02/2022،” نون بوست “، تاريخ الإطلاع 10/2/2023م، أنظر الرابط: https://urlz.fr/lWFF
[18] . ديفد هيرست، نفس المصدر
[19] . “ثلاثة أقطاب ستؤول إليها القيادة.. ما هي القوى التي ستشكل النظام العالمي الجديد؟”، موقع عربي بوست، نشر بتاريخ 18/8/2022م, تاريخ الإطلاع 10/2/2023م, أنظر الرابط: https://urlz.fr/lWFK
[20] . علي العبدالله، “مخاض عسير في النظام الدولي”، موقع العربي الجديد،26 أكتوبر 2022، تاريخ الإطلاع 10/2/2023م، أنظر الرابط: www.alaraby.co.uk/opinion
[21] . عصام عبد الشافي، “تحولات جذرية في استراتيجيات الأمن القومي الألمانية واليابانية”، المعهد المصري للدراسات، 10 يناير 2023م تاريخ الإطلاع 15/2/2023م، أنظر الرابط: https://eipss-eg.org
[22] . عادل رفيق، ” فورين أفيرز: ألمانيا الجديدة – كيف يغيّر عدوان بوتين سياسة برلين “، المعهد المصري للدراسات، 14 مارس2022، تاريخ الإطلاع 15/2/2023م، أنظر الرابط: https://eipss-eg.org
[23] . عادل رفيق، نفس المصدر
[24] . ” العقيدة العسكرية.. ما هي؟ وما أنواعها؟ وما مرتكزاتها؟”، الجزيرة نت، آخر تحديث: 17/10/2022، تاريخ الإطلاع: 15/2/2023م، أنظر الرابط: https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2022/10/17
[25] . ” العقيدة العسكرية.. ما هي؟ وما أنواعها؟ وما مرتكزاتها؟”، الجزيرة نت، نفس المصدر
[26] . عوض بن سعيد باقوير، ” الحرب الروسية على أوكرانيا مرحلة الاستنزاف “، 13 سبتمبر 2022، تاريخ الإطلاع: 19/2/2023، أنظر الرابط: https://www.omandaily.om
[27] . مجموعة باحثين، “أوكرانيا: التطورات العسكرية التقليدية وغير التقليدية والمقاتلون الأجانب”، ندوة أكاديمية نظمها المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات، وحدو الدراسات الاستراتيجية، الدوحة- قطر، 29 أغسطس/ آب ، 2022م، تاريخ الإطلاع: 24/2/2023م، أنظر الرابط: https://www.dohainstitute.org/ar/Events/SSU-panel-war-in-ukraine-and-foreign-fighters
[28] . كاسبر ريكافيك، ندوة “أوكرانيا: التطورات العسكرية التقليدية وغير التقليدية والمقاتلون الأجانب”، نفس المصدر السابق
[29] . هاميش دي برتون-غوردون، نفس المصدر السابق.